ملاحظات حول شأننا العام... ونداء إلى لجنة الوقف - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


ملاحظات حول شأننا العام... ونداء إلى لجنة الوقف
منير فخر الدين – 08\01\2010

لقد أثبتت أحداث الآونة الأخيرة في مجدل شمس وبقعاثا (كصحن التبولة لمشروع "رؤيا" وطرح فكرة تشكيل فريق محلي للانضمام إلى الدوري الإسرائيلي لكرة القدم) أن أي نشاط شعبي في الحيز العام يرفع اسم المكان ولا يرفع معه مبدأ سياسيا واضحا في رفض الاحتلال والتأكيد على الهوية الوطنية، لن يكتب له إلا الفشل. هذا هو قانون جوهري في وجودنا السياسي اكتشفناه وانطلقنا منه منذ اليوم الأول للاحتلال. وقد حدث ذلك رويدا وبالثمن الغالي الذي دفعه مناضلونا الأوائل في مرحلة ما قبل الإضراب، التي كانت علامتها الفارقة توظيف الزعامات العائلية العشائرية من قبل الاحتلال، والبلبلة والتخبط في مسألة الهوية والوطن. ثم أعدنا اكتشافه على نطاق واسع في الإضراب وبعده، في مرحلة صناعة الهوية الوطنية، وتحولها إلى جذر مولد للعمل الشعبي وبناء الحيز العام الوطني العلماني. وسنستمر في هذا القانون اليوم في فترة اختلطت فيها أوراق تلك المرحلة وبدأت تنشأ معادلة جدية. أقول ذلك لأن هذه المعادلة إذا كان جزؤها الأول هو انحسار الحيز العام الوطني العلماني، فإن جزءها الآخر ليس نشوء حيّز عامّ متأسرل (فكل ما يبدو كذلك، علمانيا كان أم طائفيا، عابر)، إنما هو تسييس الدين بمعنى بناء حيز عام وطني طائفي تبرز فيه القيادة الدينية. إذن سيستمر النشاط الشعبي في الحيز العام في منحى وطني، والسؤال هو إلى أي درجة سيكون هذا النشاط مصبوغا بالثقافة الطائفية التقليدية أو المحافظة وكيف سيتعايش مع مؤسسات وثقافة مجتمع مدني وطني علماني؟

الجزء الأكبر من المسألة متعلق بالخيارات التي يتخذها كل من الطرفين وبكيفية إدراكهما وكلامهما عن المعادلة الجديدة، والحراك الذي يتخذونه فيها. فإن أساؤوا التشخيص وقعنا في طامة كبرى، وتخبط خطير وطويل، وإن فهموا المعادلة دخلنا عتبة نهضة وطنية جديدة وحقيقية، علامتها المميزة هي رسم الأهداف والأولويات بالتفاهم والتقاسم الديمقراطي للقرار والسلطة.

هناك سؤال مهم مازال يطرح من قبل جهات وطنية هامة وأساسية في صناعة المرحلة الراهنة والقادمة، حول شرعية العمل من خلال الجمعيات المسجلة بموجب قانون الجهة المحتلة. هذا سؤال مهم ويجب الحديث فيه، لكن التوقف الدوغمائي عنده خطأ. إن التوقف يجب أن يكون عند مسألة التمويل. إن أي مؤسسة أو رابطة أو جهة، مسجلة كانت أو غير مسجلة، تأخذ تمويلا من إسرائيل أو جهات صهيونية أو خلافها من أصحاب المصالح الامبريالية في بلادنا، تصنيفها هو حتما خارج الحيز العام الوطني وبالتالي مآلها سيكون الفشل. أمّا التمويل من الجهات الأجنبية المساندة لنا، فإن حكمه يجب أن يكون متروكا للاجتهاد الشخصي للأطراف ذات العلاقة. يمكن للمرء أن يجزم هنا بأن شعبية مثل هذا التمويل لن ترقى أبدا—مهما كانت الجهات الممولة جيدة—إلى مستوى شعبية التمويل المحلي الذاتي. وهذا أمر طبيعي ومنطقي. لكن مقياس الشعبية لا يجب أن يتحول ميكانيكيا (أو بالأحرى دوغمائيا) إلى معيار للمنع أو التحريم، فمن يتخذ فعلا ما أو غاية ما ذات شعبية محدودة، لكنها بلا ريب ضمن الموقف الوطني، لا بد أن يكون لديه تبرير سليم أو ضرورة ما تحكمه. فلنسمعه ونختلف معه، لكن ضمن الحيز العام الوطني.

على أي حال ليس هذا ما أريد التركيز عليه، بل التمويل الشعبي والبناء الذاتي. لا شك في أن أهمية ما نراه اليوم من باكورة أعمال تنموية ضرورية للمجتمع تسعى فيها لجنة الوقف، تكمن أساسا في التمويل الذاتي والمبني على تقاليد محلية أهلية متأصلة منذ قرون. لكن هذا لا يعني ألا تخضع نشاطات لجنة الوقف للشفافية والمشاركة الشعبية. أنا على ثقة من أهل الحكمة، لكن هذا مطلب حق! إنه يساهم في تقليل أي خطأ بشري قد يحصل في إدارة الأموال الخيرية العامة ويساهم في ازدياد شعبية المشاريع ودعمها حتى تكتمل إلى آخرها، لكن الأمر الأهم متعلق بالخيارات والأولويات المجتمعية. إذ لا بد أن يكون هناك آلية مدروسة لتمثيل عموم الناس، وليس المتدينين فقط أو الجهات المحسوبة أو المهنية دون سواها، في إقرار هذه الأولويات، وأن لا تكون هذه الآلية ذات صبغة عفوية دائما.

وهنا أنتهز هذه الفرصة لأرفع نداء بأعلى صوتي للجنة الوقف، بأن تضع على سلم أولوياتها مسألة التمنية الرياضية ودعم الاتحاد الرياضي خصوصا، ولو معنويا، نظرا لما يتعرض إليه هذا المجال الحيوي من حياتنا العامة إلى اختراقات مسيئة وخطيرة. فحين يتم الحديث عن بناء مرافق رياضية للشبيبة (كما سمعنا في تسجيل على الانترنت لاجتماع لجنة الوقف مع نقابة المهندسين) يجب أن يُشرك في ذلك الاتحاد الرياضي، ولا يتم تجاوزه وبالتالي المساهمة غير المقصودة في إضعافه. والاتحاد هو مؤسسة جولانية عامة مثله مثل الوقف، وليس جمعية مهنية مقصورة على أعضائها كالعديد من المؤسسات الأخرى، وبالتالي عليه هو نفسه ألاّ يتصرف كجمعية (أو جهة حزبية) وعلى الآخرين ألا يعاملوه كذلك.

هذا المطلب من لجنة الوقف ليس بغريب لأن الحديث عن المرافق الرياضية الشبابية جاء من قبل المجتمعين أنفسهم، وهو أمر مبارك ويدل على وعي بالحداثة والحياة العلمانية لدى لجنة الوقف، لكن ما هو مستغرب هو نسيان المتحدثين للخارطة المؤسساتية الشعبية الموجودة، ومن هنا باب العتب... أما باب الاستهجان فهو أن ينسى الاتحاد الرياضي نفسه بنفسه، ولا يرفع نداءه فورا لكي لا ينسى من قبل الآخرين، فهذا حق له لا يراه، لا منّة من الغير يتعفف عنها!